إسرائيل لم تنتصر بالتأكيد، ولم تلحق بها هزيمة كبرى أيضًا، لكنّها عاشت إذلالًا سياسيًّا وعسكريًّا لم تعهده منذ تأسيس كيانها. وإيران لم تحقّق نصرًا شاملًا بالتأكيد، لكنّها لم تهزم. إسرائيل، “بعبع” المنطقة سيفكّر ألف مرّة غدًا قبل أن يحاول المساس بها.
ولّت تلك الأيّام التي كانت فيها إسرائيل تخوض حـ ـربًا لساعات أو لأيّام، وتفرض بعدها سيطرتها وإرادتها السياسيّة على شعوب ودول بالكامل.
الإيرانيّون، برغم جسامة التضحيات في القيادات، ليسوا فصيلًا مسلّحًا. رصوا صفوفهم خلال ساعات، واستعادوا المبادرة بإيلام الجبهة الداخلية للكيان بشكل متصاعد، وهي كما تبيّن، نقطة ضعفه الأساسية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار مستقبلًا في أيّ صراع مع العـ ـدوّ.
التباهي المتعجرف لرئيس وزراء الكيان نتنياهو في الساعات الأخيرة قبل سريان “الهدنة”، يقول الكثير. بعد إعلان الرئيس ترامب فجأة في منتصف ليل أمس التهنئة للعالم على السلام الذي حان وقته، خرج نتنياهو سريعًا ليقول إنّه مستمرّ بهجماته ليزعم بأنّه ممسك بزمام الأمور، لكنّه عاد بعد أقلّ من ساعتين ليعلن موافقة الكيان على وقف إطلاق النار لأنّه “حقّق أهدافه”!
حقًّا؟
البرنامج النووي الإيراني (وهو ليس منشآت فقط)، سيستمر وبقوة من خلال قاعدة لامتناهية من العلماء والباحثين والكوادر أساسها تراكم خبرات ومعرفة طوال نحو 3 عقود؛ وبرنامج الصـ ـواريخ برهن ليس فقط على جدواه الاستراتيجية، وإنّما على أهميّة تطويره وتفعيله مستقبلًا؛ وثالثًا أنّ “النظام الحاكم” الذي صار نتنياهو (وترامب) يتلاعب بالألفاظ حول سعيه لإسقاطه، يخرج من المعركة، أكثر صلابة وشعبية في ظلّ تصاعد المشاعر القومية، بعدما تمكّن من الحفاظ على اقتدار إيران وعدم خضوعها للكيان.
إيران تخرج اكثر مناعة، والشرق الأوسط سيكون مختلفًا. رأس الكيان المجرم سيعاني سياسيًّا وشعبيًّا. الأيام الأخيرة (برغم التعتيم الإعلامي المكثّف) أظهرت قدرة إيرانية هائلة على خرق طبقات أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي المتعدّدة وإلحاق أذى مباشر بمراكز أمنية وعسكرية واقتصادية وحتى مدنية. بعد ضرب “منشأة فوردو”، “مفاعل ديمونا” كان تحت خطر حقيقي وليس دعائيًّا. مخزون صـ ـواريخ الدفاع الجوي الإسرائيلي، تلاشى إلى مستويات خطيرة، وتعويضها ليس سهلًا، بالنظر إلى كثافة ودقّة الصليات الإيرانية، واستمراريتها.
نحن أمام لحظة إقليميّة لا مثيل لها.