من المثير للسخرية أن نرى أشخاصًا يتباهون بما يمكن وصفه بـ”الخرق الأميركي” للسيادة اللبنانيّة، معتبرين إيّاه تطوّرًا إيجابيًّا أو حتّى “ضرورة سياسيّة”. في المقابل، يندّدون بأشدّ العبارات بأيّ تصريحات أو تدخّلات تأتي من إيران، واصفين إيّاها بأنّها “انتهاك سافر” للسيادة اللبنانيّة. هذا التناقض يعكس أزمة حقيقيّة في فهم مفهوم السيادة الوطنيّة، ويثير تساؤلات حول المعايير التي تُستخدم لتحديد ما هو مقبول وما هو مرفوض.
عندما أبلغ آموس هوكستين، المبعوث الأميركي، بعض الجهات اللبنانيّة بأنّ التفكير في دعم مرشّح محسوب على محور المقـ ـاومة هو أمر يثير العجب، فإنّه لم يكن يقدّم رأيًا محايدًا أو نصيحة سياسيّة، بل كان يرسل إشارة واضحة مفادها أنّ الولايات المتّحدة لن تقبل برئيس للبنان لا ينسجم مع مصالحها الإقليميّة والدوليّة. ومع ذلك، نجد أنّ هذه الرسالة التي تحمل في طيّاتها تدخّلًا سافرًا في الشؤون الداخليّة للبنان، يتمّ الترحيب بها من قبل الصحافي نديم قطيش.
السيادة الحقيقيّة لا تتجزّأ ولا يمكن أن تكون انتقائيّة. فمن يرفض التدخّل الإيراني بحجّة الحفاظ على سيادة لبنان، عليه بالمثل أن يرفض التدخّل الأميركي، أو أيّ تدخّل خارجي آخر، مهما كان مصدره أو مبرّراته. لكن للأسف، يبدو أنّ مفهوم السيادة لدى البعض مرهون بمواقف سياسيّة مسبقة وأجندات تخدم أطرافًا معيّنة على حساب المصلحة الوطنيّة.
ما يفعله أمثال قطيش هو تكريس لنوع من ازدواجيّة الخطاب. فمن جهة، يتحدّثون عن أهميّة سيادة لبنان وضرورة حمايتها من “الأطماع الإيرانيّة”، ومن جهة أخرى، يفتحون الأبواب أمام التدخّلات الأميركيّة والغربيّة، بل ويدافعون عنها وكأنّها قدر محتوم. هذه الازدواجيّة لا تخدم سوى تعزيز الانقسام الداخلي وإضعاف موقف لبنان على الساحة الدوليّة.