أوّل العائدين “دبلوماسيًّا” إلى دمشق تركيا وقطر، وقديمًا قالوا “من سبق لبق”.
ارتفاع علم تركيّا (السبت)، ثمّ علم قطر (الثلاثاء)، على سفارتَي البلدين في العاصمة السوريّة، يطلق حركتهما لضمان مصالحهما الاقتصاديّة، وخصوصًا ربّما إعادة البحث في إمكانيّة إحياء خطّ أنابيب الغاز القطري-التركي عبر الأراضي السعوديّة والأردنيّة والسوريّة، والذي يمتدّ لمسافة أكثر من ألفَي كيلومتر.
المشروع الذي رفضته دمشق في العام 2009، لما يعتقد المحلّلون أنّه من أجل حماية مصالح روسيا في هيمنتها على صادرات الغاز لقطاع الطاقة الأوروبّي، سيحقّق مكسبَين للدوحة وأنقرة، حيث ترفع الأولى إيرادات صادراتها من الغاز إلى العالم، بينما تعزّز الثانية محوريّتها كمركز لخطوط أنابيب النفط والطاقة والصادرات إلى أوروبّا.
كتب محلّلون وخبراء في بداية الحرب السوريّة في العام 2011، أنّ رفض هذا المشروع، في لحظة كانت علاقات بشّار الأسد في أوجها مع كلّ من أمير قطر السابق حمد بن خليفة الثاني (والد الأمير الحالي تميم) والرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ساهم في دحرجة موقفَي قطر وتركيا بخصومتهما مع النظام السوري وصولًا إلى تمويل ودعم المعارضة المسلّحة ضدّه.
والمشروع، إن تحقّق، يمثّل أهميّة عالية عالميًّا لأنّه سيساهم في تخفيف اعتماد أوروبّا على الغاز الروسي، ويضعف بالتالي المقدرات الماليّة لموسكو، ويقلّص نفوذها. وبإمكان قطر أن تؤدّي دورًا فاعلًا هنا حيث إنّها تعتبر الثانية عالميًّا بعد روسيا، في تصدير الغاز وتقدّر احتياطاتها بنحو 250 تريليون متر مكعّب.
وسيكون على الدوحة وأنقرة القيام بدراسة جدوى جديدة حول المشروع، ذلك أنّه عندما طرحت الفكرة العام 2009، لم تكن حقول الغاز قد اكتشفت بهذه الكمّيات في شرق البحر المتوسط، ودخلت “إسرائيل”، ولو بتواضع حتّى الآن، على سوق الغاز، إلى جانب مصر وقبرص، في وقت يحاول الأوروبّيون، برغم تأثيرات الحرب الأوكرانيّة، الوصول الى هدف تحقيق “صفر انبعاثات” بحلول العام 2050، والتخلّي عن محطّات الطاقة العاملة بالفحم واستبدالها بالغاز.
وستتصرّف الدوحة وأنقرة الآن بحرّيّة أكبر في تنفيذ المشروع الذي قد لا يكتمل قبل العام 2030، بعد سقوط الأسد وسيطرة الفصائل المدعومة منهما على الحكم في دمشق.