ضحى محمد كنعان، وابنه وائل، الجندي في الجيش اللبناني، بنفسيهما من اجل التمسك بأرضهما في شبعا.
قتلهما الكيان قبل ايام. هو نفسه الكيان الذي هب خليل عز الدين الجمل، ابن طريق الجديدة، من اجل التصدي له قبل نحو 60 سنة.
مسافة زمنية واسعة. لكن المشهد يكاد يكون متماثلا. ف”إسرائيل”، لا تبالي بهوية وطائفة ومذهب من هم من “اعدائها”. الفدائيون، المقاومون، والمضحون هم من كل بقعة ارض، ومن كل مدينة، وعاصمة عربية، ومن كل المذاهب والاديان والطوائف.
عندما ارتقى خليل عزالدين الجمل على في أغوار الاردن خلال عملية فدائية في العام 1968، كأول شهيد لبناني في صفوف المقاومة الفلسطينية، لم ينظر أحد الى طائفته ولا مذهبه. خرجت عمان، ودمشق، وبيروت لتشييعه. وبخلاف الذين ساروا في جنازته، اصطف مئات الالاف في شوارع المدن والقرى والمناطق التي عبر فيها موكب التشييع على اصوات قرع الاجراس في الكنائس وبنداءات التكبير في المساجد.
أشهرت بيروت هويتها الأصيلة. وكانت فلسطين تجمع، ولا تفرق، وكان العدو موحدا في كراهيته ضد كل شيء من حوله-ولا يزال.
لكننا تفرقنا الى قبائل متناحرة.
تحدث الزعيم المصري عبدالناصر عن خليل الجمل قائلا وقتها “الشاب اللبناني اللي أخد سلاحه وطلع من لبنان وترك رسالة لأهله قالهم أنا ماشي ومش حا غيب.. وحا ارجعلكم، وطلع ودخل مع قوات العاصفة إلى إسرائيل علشان يقاتل في سبيل أرضه ومات ورجعوه امبارح إلى لبنان.. يثبت أن الأمة العربية كلها بكل أبنائها قادرة على تحدي هذا العدوان”.
لم يقل أحد ان خليل الجمل مات شهيدا من اجل محور مجهول، او “هلال” طائفي، او من اجل المال. ارتقى خليل الجمل نصرة للبنان وفلسطين، تمام كالشهيدين محمد كنعان ونجله وائل في شبعا، نصرة لهذه الارض، وامام العدو نفسه.
بالامس، لم يزحف لبنان الى شبعا، وغابت الدولة وزعماؤها وقادة احزابها. لكن الراحل غسان تويني كتب عن ابن طريق الجديدة وقتها “خليل عز الدين الجمل، تعود إلينا ولم نعرفك. كأنك ما متّ إلاّ لتعرفنا بما فينا. بأن فينا إرادة الحق حتى الموت والإيمان حتى الشهادة”.
لعلنا نبني وطنا…