عندما تبدأ الولايات المتّحدة بتوزيع صكوك البراءة، فعلى الدنيا السلام.
يقول المبعوث الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف إنّ “الجولاني (أحمد الشرع)، تغيّر عمّا كان عليه في السابق، وأصبح شخصًا مختلفًا”.
لا يحدّد موزّع صكوك البراءة هذا، كيف يفسّر “تغيير” الجولاني لسلوكه، باستثناء الإشارة إلى أنّه “طرد إيران من هناك”.
وبمعنى آخر، أن تكون شخصًا جيّدًا، يعني أن تلاقي الأميركي في مصالحه وأهدافه. وبخلاف ذلك، لا يعني الأميركيّين كثيرًا، حتى لو أنّك سهّلت، أخفقت، شجّعت، أو حرّضت، على المـ ـذبحة التي ارتبكت قبل أيّام فقط، في مناطق الساحل السوري تحديدًا، والتي يعتقد أنّها أودت بحياة أكثر من 2000 شخص بحسب “المرصد السوري”.
لكنّ الجولاني “تغيّر” مثلما يريد مبعوث ترامب أن يبشّرنا. لكن ويتكوف مع ذلك ربّما:
– لم يدقّق في طبيعة هذه الجـ ـريمة وتفاصيل مرتكبيها وأداء السلطة السوريّة الجديدة
– لم يتابع آليّات محاسبة جدّيّة أقلّه من أجل ترسيخ حقبة جديدة لما بعد الحرب السوريّة وسنوات الموت الـ14
– لم يدقّق في ضمّ قيادات “جهـ ـاديّة تكـ ـفيريّة” إلى صفوف قيادة الدولة الجديدة
– لم يراجع بنود “الإعلان الدستوري” الذي يرسّخ نسخة سلطويّة مشابهة للأسد
– لم يلاحظ تبدّلًا في نهج التعامل مع أبناء المكوّنات السوريّة المختلفة
– تجاهل تعدّيات عناصر الجولاني على حدود لبنان (المفترض أنّه أمنيًّا محلّ متابعة وإشراف من الأميركيّين في هذه المرحلة)
-لم يكشف لنا كيف ولماذا اعتقل الجولاني مرارًا في العراق، وخرج حرًّا بعدها، ولماذا.
“صك البراءة” الأميركي لا يبدّد الهواجس إزاء الجولاني ورفاقه، وإنّما يعزّزها، إذ إنّ “تجربته العراقيّة” والاقتتال الطائفي التي “تعلّم منها” كما قال مؤخّرًا في إحدى مقابلاته، لا تزال تبدو مسيطرة على عقليّته وطريقة تعامله مع “الآخرين”.
هناك نقطة واحدة تبرّر “صك البراءة” الأميركي حتّى الآن، وهي باتت واضحة لكثيرين: سلوك النعامة الذي يتقمّصه الجولاني كلّما وردت أنباء توغّل واعـ ـتداءات وقضم وبسط سيطرة على الأراضي السوريّة، مهما كانت ذرائعها. صمته هنا، يحكي الكثير. أقلّه حتّى الآن.