“الهنود الحمر”: فلسطين الأولى

لم تعتذر الولايات المتّحدة، ولم تعوّض، أحفاد السكّان الأصليّين عن جـ ـرائم الإبادة المختلفة التي ارتكبت بحقّهم طوال نحو 400 سنة، بما في ذلك قتـ ـلهم جماعيًّا، واقتلاعهم من أراضيهم، ومحاصرتهم وتجويعهم وتدمير ثقافتهم عنوة.

موقف الرئيس دونالد ترامب من القضيّة الفلسطينيّة، منسجم فعليًّا مع سياسة “إسرائيل” المماثلة بطرد الفلسطينيّين وتطويقهم وتهجيرهم والتضييق عليهم حتّى بقوانين مشابهة لما طبّقته الولايات المتّحدة بحقّ قبائل “الهنود الحمر” كما يسمّون زورًا.

الكيان الإسرائيلي سار على طريق كيان المستوطنين الأوائل الذين غزوا الأميركيّتين. “متوحّشون وهمج” هي من الصفات التي أطلقوها على السكّان الأصليّين. هل تذكرون تصريح وزير دفاع الكيان الإسرائيلي السابق يوآف غالانت في بداية الحـ ـرب: “حيوانات بشريّة”؟ وهو ما يعتمد على شيطنة أبناء البلاد الأصليّين للتخلّص منهم، وقتـ ـلهم وتشريدهم.

هل تذكرون مقولة “الفلسطيني الجيّد، هو الفلسطيني الميت”؟. هل تعلمون أنّ المستوطنين الأوربيّين الأوائل في أميركا، كانوا يردّدون المقولة نفسها: “إنّ الهندي الأفضل هو الهندي الميت”.

وهل تعلمون أنّ المهاجرين من أوروبا، صاروا يقصدون أميركا على أنّها الأرض الموعودة، وشجّعهم أساقفتهم على هذه الرؤية الدينيّة، تمامًا مثلما صارت الصهـ ـيونيّة ترتكز على دعوة اليهود للذهاب إلى “أرض الميعاد”؟

المستعمرون الأوروبيّون مثلهم مثل الإسرائيليّين، أقرّوا على مرّ السنوات والعقود مختلف أنواع القوانين التي تضيّق على ابن الأرض الأصلي. مثلًا، هناك قانون إسرائيلي يحمل اسم “طرد عائلات المخرّبين”. هل تعلم أيضًا أنّ الإنكليز والإسبان والفرنسيّين والبرتغاليين والهولنديّين والسويديّين وغيرهم بما في ذلك الكنائس، ساهموا بمراحل مختلفة ومتشابكة في قمع “الهنود الحمر” للاستيلاء على أرضهم بداعي النموّ السكّاني والمقايضات الجائرة والعقاب الجماعي وغيرها من الذرائع؟

وعندما قامت “الدولة” الأميركيّة لم يتغيّر نهجها، بل ربّما تكثّف، من خلال قوانين وتشريعات ومعاهدات، أجازت بمراحل متعدّدة إجبار السكّان الأصليّين على الانتقال إلى ما وراء نهر المسيسبي.

“المحميّات” التي فرض على “الهنود الحمر” البقاء فيها (على غرار قطاع غزّة مثلًا)، كانت فعليًّا بمثابة عقاب جماعي لهم على المقـ ـاومة، ومحاصرتهم وإنّما بذريعة حمايتهم ومنحهم أراض للعمل والحياة فيها. صار استمرار وجودهم بمثابة “صدقة” من المستعمر، وإذا جرّبوا التمرّد، جرى قمعهم بالقوّة.

لم نتطرّق إلى المـ ـذابح العديدة، وهذه قصّة أخرى.

لكن، كانت تلك هي “فلسطين الأولى”.

أخر المقالات

اقرأ المزيد

Scroll to Top