تُعدّ أموال المقاصة السيولة الماليّة التي تدخل مناطق الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة عبر حركة التجارة التي تتمّ على المعابر الحدوديّة التي تسيطر عليها “إسرائيل”، فيعمل التجّار الفلسطينيّون على دفع جمارك البضائع التي يقومون باستيرادها “لإسرائيل” على الحواجز الحدوديّة قبل دخولها الأراضي الفلسطينيّة، وبعد تحصيل الأموال تقوم “إسرائيل” بتحويلها للسلطة الفلسطينيّة؛ وحسب التقديرات الاقتصاديّة فإنّ قيمة أموال المقاصة تبلغ بمتوسّط شهريّ نحو 220 مليون دولار.
وباختصار يمكن تعريف أموال المقاصة بأنّها الأموال التي تجبيها “إسرائيل” من الفلسطينيّين سواء تجّار أو مواطنين عاديّين، ويظهر كلّ ذلك في حلقة الفواتير التي تتمّ عبر 3 جهات: التاجر/المواطن الفلسطينيّ، ومن ثمّ السلطة الفلسطينيّة، و”إسرائيل” التي تحتجز بدورها الأموال وتمنع وصولها للسلطة الفلسطينيّة، ممّا عمل على إحداث أزمة ماليّة لدى الأخيرة. وبدأت أزمة أموال المقاصة عام 2019 حيث بدأت “إسرائيل” بخصم مبلغ ماليّ من هذه الأموال وصل إلى حدّ 600 مليون شيكل (165 مليون دولار) سنويًّا، وهو جزء من الأموال المخصّصة لرواتب الأسرى المحرّرين وعوائل الشهداء التي يحصلون عليها بشكل ثابت من قبل السلطة الفلسطينيّة كحقّ مشروع لهم.
ومع تعيين سموترتيش المتطرّف وزيرًا للماليّة في “إسرائيل” بدء بإصدار قرارات بخصم مبلغ ماليّ من أموال المقاصة بلغ 35 مليون دولار أمريكيّ من أجل تحويله للعائلات الإسرائيليّة كتعويض “للضرر” عن العمليّات الفدائيّة التي ينفّذها الفلسطينيّون، تحت حجّة أنّ هذا جزء من عقاب للسلطة الفلسطينيّة على دعمها لما وصفه “بالإرهاب” عبر صرفها لأموال المقاصة لأهالي الأسرى والشهداء، لذلك يجب خصم الأموال منهم من أجل تعويض الإسرائيلييّن لا الفلسطينيّين.
إلّا أنّه لا يمكن عزل سياسة “إسرائيل” بسرقة أموال المقاصة عن سياقها السياسيّ باعتبارها أداة لاستهداف وضرب البنية الاقتصاديّة للمجتمع الفلسطينيّ وحرمان الفلسطينيّ من حقّه بالتصرّف بأمواله، فعدم تحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينيّة واحتجازها أدّى إلى عدّة أزمات تمثّلت بعدم دفع رواتب موظّفي السلطة الفلسطينيّة الذين يمثّلون شريحة واسعة من الشعب الفلسطينيّ والعاملين في مختلف وزارات وهيئات السلطة، وأكثر من تضرّر هم المعلّمون الذين خصمت السلطة رواتبهم تحت حجّة عدم تحويل “الإسرائيليين” لأموال المقاصة؛ ما جعل الهمّ الاقتصادي وشحّ السيولة الماديّة يؤدّي لأزمة اقتصاديّة في المجتمع الفلسطينيّ في محاولة لتحويل همّه من مواجهة “إسرائيل” إلى التفكير بالحاجة اليوميّة وتأمين قوت يومه واحتياجاته الأساسيّة.