المشاهد المتتالية في سوريا، تثير المخاوف وتطرح التساؤلات. هل يعاد تكرار أخطاء وفظائع “النموذج العراقي”، وإحداها تظهر كأنّنا أمام محطّة جديدة ل “De-Ba’athification” (اجتثاث البعثية).
“حزب البعث” أعلن تعليق عمله “حتّى إشعار آخر” وأبدى التأييد للمرحلة الانتقاليّة. والمهمّ الآن ألّا يتمّ دفع الأمور باتجاه مسارات متطرّفة بالاجتثاث.
غلاة مُنَظّري غزو العراق في العام 2003، وقادة الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة الأميركيّة، عاد وأقرّ منهم الكثير، بأنّ “الغلطة” الأميركيّة الأكبر في الغزو، تمثّلت في قرار الحاكم الأميركي بول بريمر بحلّ الجيش والأجهزة الأمنيّة وحظر “البعثيّين” واجتثاثهم.
خلق ذلك فراغًا أمنيًّا وإداريًّا وحكوميًّا كبيرًا، مهّد سريعًا إلى تنامي الخوف، ونزعة الانتقام والعنف، والإقصاء، وزرع الخوف بين ملايين العراقيّين، لا من السنّة وحدهم، وإنّما لكلّ من ارتبط وعمل أو خدم في الدولة العراقيّة ووزاراتها وأجهزتها ومؤسّساتها، أو حتّى ارتبط بعلاقات شخصيّة أو عمليّة أو اقتصاديّة بقيادات ورجالات “النظام البعثي”.
بعد قرار بريمر، تولّى الساخطون والغاضبون والمتضرّرون والناقمون وأهالي الضحايا والانتهازيّون والمتطرّفون، والمزايدون والمنافسون، تنفيذ “قرار بريمر” بأيديهم، بينما أشرفت سلطة الحكم الانتقاليّة العراقيّة، على اقتلاع مئات آلاف الأشخاص من مناصبهم ومواقعهم بشكل “رسمي”.
بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلّحة على غالبيّة المدن السوريّة وقراها، هناك ملامح أولى لا تثير الاطمئنان: مشاهد قتل لجنود أو أشخاص، نبش قبور، إعدام جنود جرحى على أسرّة المستشفيات، إجراءات إعدام لرجال من “أزلام” النظام، مشاهد نهب لمؤسّسات ومراكز تابعة للدولة، واقتحام منازل للسطو عليها بالقوّة بحجج “طائفيّة”.
ما يجب التوّقف عنده ومراقبته أنّ “القيادة العامّة” سعت لمحاولة طمأنة شرائح عديدة من المجتمع، خصوصًا من الطوائف والأقلّيات المتعدّدة، وخصوصًا لجهة ضبط الوضع الأمني المتفلّت والاعتداء على الناس.
ومع ذلك، فإنّ “القيادة العامّة”، استبقت تكليف محمّد البشير بقيادة الحكومة الانتقاليّة بساعات، وتحدّثت عن تقديم مكافآت لمن يدلي بمعلومات عن المتورّطين في جـ ـرائم حـ ـرب، وإصدار لائحة بأسماء المتورّطين في عمليّات التعذيب، والسعي إلى ملاحقتهم، قائلة “لن نسمح بهدر أو نسيان دماء الشـ ـهداء وحقوق المعتقلين”.
“القيادة العامّة” التي فتحت السجون لتحرير المعتقلين، بمن فيهم مدانون بالإرهـ ـاب، تقول أيضًا إنّها ملتزمة بالتسامح “مع من لم تتلطّخ أيديهم بدماء الشعب”، وأصدرت عفوًا عامًا عن “المجنّدين” الذين كانوا يؤدّون الخدمة الإلزاميّة في الجيش السوري، لكن هذا التسامح، لن يطبّق على الضباط والجنود الذين “تطوّعوا” للخدمة.