عندما يمـ ـوت الفلسطينيّون جوعًا، وتجد إسرائيليّين ينظّمون تحرّكات احتجاج داخل كيانهم الاحتـ ـلالي، فنحن أمام معضلة هويّة حقيقيّة.
وعندما نجد اليهود، وجمعيّاتهم ومنظّماتهم حول العالم، وفي أوروبا والولايات المتّحدة نفسها، يتعرّضون للقمع والاعتقال وهم يقودون بتفانٍ مسيرات الاعتصام ورفع الصوت ضدّ الحـ ـرب على غزة والدعم الأميركي لإسرائيل، فإنّنا أمام مفارقة لا مثيل لها في تاريخنا.
هناك خليط عربي من الانهزاميّة والتخاذل واللامبالاة والعجز والتواطؤ بالصمت والشماتة المرضيّة أحيانًا، لم نعهده إزاء فلسطين منذ 100 عام.
هذه ليست مجرّد حادثة صغيرة. التجويع بدأ فعليًّا، منذ بداية الحـ ـرب، لكنّ تصعيد الحملة اتخذ منحى كبيرًا عندما قرّر الكيان إنهاء وقف إطلاق النار والعودة إلى الحـ ـرب على غزّّة وناسها، وربط حملته العسكرية بحصار غذائي كامل، بذريعة أنّ المقـ ـاومة تستفيد من المساعدات الغذائيّة.
هذه ليست كارثة طبيعيّة، وتحدث بفعل فاعل، وليس مجهولًا. القـ ـاتل واضح المعالم والسمات. والهدف فرض الاستسلام على الفلسطينيين، وعلى المقـ ـاومة، وانتزاع تنازلات منهم في أروقة التفاوض، وإدامة المساحات المحـ ـتلّة داخل قطاع غزّة، من خلال جعل الحياة مستحيلة على الناس، وجعل فكرة تهجيرهم بالكامل مقبولة من الجميع، بما في ذلك العرب والمسلمين.
يقول المحلل الإسرائيلي باراك رافيد إنّ قرار نتنياهو والكابينت الإسرائيلي وقف إدخال المساعدات المتّخذ في آذار الماضي، مؤسف، متسرّع، متغطرس ودوافعه سياسيّة، وقاد لسياسة مدمّرة استمرّت 4 شهور، شملت ارتكاب جـ ـرائم حـ ـرب، وأدّت إلى موت مئات الفلسطينيّين الأبرياء، وزجّت إسرائيل في أزمة دوليّة غير مسبوقة.
حتّى أبرع مخرجي السينما لا يمكنهم الاتيان بسيناريو لفيلم رعب وجريمة بمثل هذه العقليّة المريضة. هذا ليس مجرّد قرار سياسي، وليس وليد عجز إنساني، وإنّما خطّة ممنهجة ومقصودة تمّ فيها تقييد إمكانيّات وصول الغذاء والماء والدواء بشكل شيطاني.
هذه جـ ـريمة تجويع واضحة. يمـ ـوت الفلسطينيّون جوعًا، وقـ ـاتلهم الإسرائيلي والأميركي معروف، لكنّ العرب والمسلمين اختاروا دور “الكومبارس” الأخرس والعاجز. هذا اختيار. بينما ملايين الناس حول العالم ينتفضون من مشاهد الجوعى والأطفال الذين يحتضرون وأجسادهم قد تحوّلت إلى هياكل عظميّة.
أن ينتفض “إسرائيليّون” ويهود وبوذيون وكنائس ومؤمنون من مختلف الانتماءات والمعتقدات، وتركن شعوب من يفترض بأنّهم مقتنعون بكونهم “خير أمّة أخرجت للناس”، فهذه وصمة عار لن تمحى.






