ربّما من المبكر القول إنّ هناك صدامًا أميركيًّا-تركيًّا في سوريا. لكنّ المؤشّرات تشي بذلك.
قبل يومين تمركزت قوّات أميركيّة في مدينة كوباني (عين العرب) فيما كانت تستعدّ القوّات التركيّة لغزو المدينة التي تعتبر من معاقل قوّات “قسد” التي يقودها الأكراد.
الأخطر من ذلك، بدء طرح فكرة “المنطقة الآمنة” في الشمال السوري، على غرار منطقة “الحظر الجوي” التي فرضها الأميركيّون على شمال العراق وجنوبه، في العام 1991، لحماية الأكراد والشيعة من هجمات نظام صدام حسين.
المفارقة الآن، أنّ مطلق الفكرة، مايكل روبين، وهو من شخصيّات “المحافظين الجدد” الذين ساهموا في الترويج لغزو العراق، والصدام مع إيران، والموالين لإسرائيل بشدّة، طرح فكرة “الملاذ الآمن” في وجه تركيا.
والمفارقة هنا تتمثّل في أنّ الرئيس التركي الأسبق طورغت أوزال كان أوّل من طرح فكرة فرض “منطقة حظر طيران” على عراق صدام حسين لمنع النزوح الكردي إلى تركيا، والآن تُطرح الفكرة ضدّ تركيا-أردوغان، بسبب تحرّكه ضدّ الأكراد في الشمال السوري.
كأنّ التاريخ يعيد نفسه، وإن بشكل مغاير نسبيًّا. في العام 1991، كان الرئيس الأسبق جورج بوش الأب من تبنّى فكرة اوزال، ونال من أجلها قرارين من مجلس الأمن الدولي، على الرغم من أنّه هو من حرّض الأكراد والشيعة في 15 شباط/فبراير العام 1991 على التحرّك لإسقاط صدّام، ثمّ تخلّى عنهم، وتركهم لقمة سائغة فهاجمهم صدّام بالطائرات والدبّابات، فصار خيار “المنطقة الآمنة” مقبولًا من الجميع.
الآن، باركت إدارة جو بايدن وساهمت في إسقاط النظام السوري، وتغاضت عن الدور التركي في إضعاف دمشق تمهيدًا لانهيارها، مع إدراكها أنّ الفوضى السوريّة، ستضع مصير الأكراد على المحكّ في وجه تغوّل الجموح التركي.
ومن هنا، تأتي خطورة دعوة مايكل روبين، وهو من الخبراء بشؤون إيران والعراق وتركيا، بل إنّه عمل لصالح وزارة الدفاع الأميركيّة من خلال دورها في إطار “سلطة التحالف المؤقّتة” التي شُكّلت في العراق بعد الغزو الأميركي العام 2003. وبالنظر الى أفكاره، فإنّه يلقي محاضرات على كبار الضبّاط والعسكريّين في الجيش ومشاة “المارينز” وقيادة سلاح البحريّة، قبل انتشارهم في العراق والخليج.
وبينما استخدم الأميركيّون والبريطانيّون والفرنسيّون القواعد الجوّيّة التركيّة لفرض “منطقة الحظر الجوّي” بإذن من الرئيس أوزال وقتها، فإنّ أردوغان لن يفعل ذلك، ولهذا يقترح روبين تطبيق الحظر انطلاقًا من الأراضي الأردنيّة، مع مشاركة من إسرائيل والسعوديّة وأدوار لدول أوروبيّة.