تبرئة البروفيسور البريطاني ديفيد ميلر مؤخراً من تهمة “معاداة الصهيونية” بسبب أبحاثه وأفكاره الأكاديمية، ليست حدثاً بسيطاً في مناخ تحيّز الحكومات الغربية عموماً لصالح إسرائيل، خصوصاً أنّها تأتي في ظل تزايد التعاطف العالمي مع الفلسطينيين وهم يتعرّضون لآلة القتل الإسرائيلية.
وطوال عقود من التضليل والخلط الإسرائيلي والغربي الممنهج، بات مصطلح “معاداة السامية” لا يقتصر على تحدّي الكراهية تجاه الأفراد من أصول يهوديّة فقط، بل يشمل أيضاَ أي انتقادات للصهيونيّة وسياسات إسرائيل. ومن الشائع في بعض الدول الغربيّة استخدام هذا المصطلح لوصف الخطاب الذي ينتقد الفكر الصهيوني أو حتّى يعارض جرائم إسرائيل وممارساتها، ممّا يقود تلقائيّاً الى توجيه التهمة بالتحريض على اليهود ولو بشكل غير مباشر.
وفي هذا المناخ، تعرّض البروفيسور ديفيد ميلر للإقالة من جامعة بريستول البريطانية في العام 2021 بسبب مواقفه المعارضة للصهيونية، وقوله أنّ “الصهيونية عنصرية وإمبريالية بطبيعتها”، وذلك بعد إلقائه محاضرة تناول فيها دور “الصهيونية” في خلق حالة من الترهيب ضدّ العرب والإسلام.
استجابةً لذلك، قامت جامعات واتحادات طلاب يهودية في بريطانيا بالضغط على جامعة بريستول لإقالته، حيث جرى فصله تعسّفياً، وتحوّلت القضية أمام محكمة التوظيف في بريستول، ثمّ صدر الحكم لصالح البروفيسور ميلر، وخلصت المحكمة الى أنّ “اعتقاده الفلسفي بأنّ الصهيونية عنصرية وإمبريالية واستعمارية بطبيعتها، هي خاصّيّة محميّة بموجب قانون المساواة لعام 2010″، وهو ما يمثّل سابقة قانونية لحماية حريّة المعتقدات.
قضية ميلر ليست الوحيدة في مجال التهم بمعاداة السامية، حيث تعرّض العديد من الشخصيات العامة والمثقفين لاتهامات مماثلة. فهناك الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي، الذي اتهم بمعاداة السامية بعد نشره لكتب تتناول الصهيونية واليهودية وإسرائيل، ومن بينها كتابه “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية”. وفي المجال الأدبي، تعرّض الشاعر النمساوي اليهودي إريش فريد لاتهامات بمعاداة السامية بعد نشره قصيدة بعنوان “اسمعي يا إسرائيل”، التي ينتقد فيها الحرب الإسرائيلية على العرب في حزيران/يونيو 1967. كما اتهمت الفيلسوفة الألمانية اليهودية حنا أرنت بمعاداة السامية لأنهّا تناولت دور المجالس اليهودية في التعاون مع النظام النازي. ووجّهت أيضاً اتهامات مشابهة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مؤخراً بسبب تحرّكه في المنظمة الدولية لتسهيل انعقاد مجلس الأمن الدولي للبحث في وقف إطلاق النار في غزة.