ظنّ كثيرون أنّ أحمد الشرع/الجولاني كان صادقًا عندما دخل دمشق مبشّرًا بحقبة سوريّة مشرقة، وبأنّه تعلّم من “التجربة العراقيّة” التي انخرط فيها وعايشها بنفسه، من اقتتال ديني وطائفي ومذهبي، ومذابح وإقصاء واقتلاع للخصوم.
بعد 10 شهور على وجوده، المهندَس إقليميًّا ودوليًّا، في دمشق، يجوز التساؤل: هل تعلّم الجولاني فعلًا من التجربة العراقيّة التي شابها خلل كبير منذ لحظة الغزو الأميركي نفسه، ثمّ سلسلة قرارات المحتلّ بما في ذلك الـ De-Ba’athification (اجتثاث البعثيّة)، وحلّ الجيش والقوّات الأمنيّة، وهو ما قاد إلى انهيار أمني واجتماعي شامل في العراق.
الجولاني لم يتعلّم.
لم يكتف بالـ De-Ba’athification وحلّ الحكومة ومجلس الشعب والجيش والأجهزة الأمنيّة، لأنّ ظاهرة “الاجتثاث” هذه تواصلت بأشكال مختلفة حتّى وقتنا هذا، ما يعكس جانبًا خطيرًا في عقليّة الممسكين بمقاليد السلطة في دمشق الآن.
– “اجتثاث” لموظّفي الدولة ومؤسّساتها لصالح فئات ومكوّنات محدّدة
– محاولات “اجتثاث” أبناء طوائف وقوميّات (مجـ ـازر الساحل، السويداء، الاقتتال مع الأكراد؛ التصفيات التي تطال أبناء المسيحييّن والشيعة والعلويّين وغيرهم…)
– “اجتثاث” اتحاد الصحافيّين، ثمّ إلحاقه بقرارات شطب أسماء العشرات من الصحافيّين والمراسلين بحجّة ارتباطهم بـ”النظام البائد”
-“اجتثاث” طال بعض الأعياد الوطنيّة الجامعة: عطلة حـ ـرب تشرين والتنكّر لأبطال سوريا والجيش؛ عيد الشهـ ـداء (لأنّه يرمز إلى القمع العثماني للوطنيّين السوريّين)؛ وعيد المعلّم (المعلن خلال عهد حافظ الأسد)
– محاولة لـ”اجتثاث” النجمة السوريّة سلاف فواخرجي من خلال شطب اسمها من عضويّة النقابة، والّتي يتّهمها النظام الجديد بأنّها “تبرّر جرائم النظام القديم”، والحديث عن احتمال منع عرض الأعمال الفنّيّة التي شاركت فيها
الأكثر خطورة في عقليّة الـ De-Ba’athification السائدة هذه، أنّها تحاول التملّص من كلّ الماضي، أو كما يقول معارضون، التعرّي بالكامل أمام الغرب والرعاة الإقليميّين والدوليّين، من أيّ مواقف ومناسبات وأحداث، بما في ذلك مثلًا تحويل كلّ المعاناة المعيشيّة والاقتصاديّة الّتي عانى منها السوريّون إلى “النظام البائد”، وإغفال أيضًا أيّ إنجاز مهما كان ضئيلًا، ونكران دور الغرب (وبعض العرب) في تداعيات العقوبات والحصار وتدمير المقدرات السوريّة مهما كانت.
وتبقى البصمة الأكثر سوادًا في هذه العقليّة: محاولة “اجتثاث” فكرة وروح العداء للعدوّ التاريخي الذي يقضم الأرض السوريّة يومًا بعد يوم.