صحيح أنّ المصالحة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان كانت للمرّة الأولى على هامش “مونديال قطر” العام 2022، إلّا أنّ تداعيات المصافحة الرمزيّة بينهما وقتها، تواصلت. غير أنّ المناورات البحريّة والجوّيّة الجارية بينهما الآن في شرق البحر المتوسّط، تحمل دلالات مهمّة.
إنّها المرّة الأولى التي يلتقي فيها البلدان عسكريًّا بهذا الشكل منذ 13 عامًا. كما أنّ المناورات التي قد تبدو للبعض شكليّة، إلّا أنّها تحدث في ظلّ توتّر غير مسبوق في أنحاء المنطقة بسبب الحـ ـرب التي تشنّها إسرائيل، لا على غزّة وحدها، بل تطال أيضًا الضفّة الغربيّة، ولبنان وإيران واليمن وتونس.. وقطر، وحتّى مصر وتركيا أيضًا لأنّ الخطّ الإسرائيلي صار مهدّدًا لكلّ من القاهرة وأنقرة.
هناك دلالات استراتيجيّة لمشهد التقاء الجنود المصريّين والأتراك في إطار ما يعرف باسم مناورات “بحر الصداقة”، والتي تعكس تحسّن العلاقات بين الدولتين بعدما شاب التواصل بينهما الكثير من التوتر خلال أكثر من 10 سنوات.
وتشارك في المناورات غوّاصات وفرقاطات عسكريّة وزوارق حربيّة وطائرات حربيّة وطائرات إنقاذ، بعدما وصلت قوّات مصريّة إلى الأراضي التركيّة قبل أيّام. صحيح أنّ هذه المناورات بدأت في العام 2009، إلّا أنّها توقّفت منذ العام 2013.
ومن الواضح أنّ أنقرة والقاهرة برغم ارتباطهما بعلاقات مع الكيان الإسرائيلي، إلّا أنّ مدى وحجم واتساع الخطر الذي باتت تمثّله إسرائيل-نتنياهو بالنسبة إليهما (حدودهما، مصالحهما، ومناطق نفوذهما) سواء في شرق المتوسّط، أو غزّة، والإبـ ـادة الجارية ومخطّطات التهجير، أو سوريا، أصبحت عناصر تفرض على السيسي وأردوغان المزيد من التفاهم والتقارب. وكان من اللافت كلام أردوغان في نيويورك أنّ إسرائيل خرجت عن السيطرة، وأنّ نتنياهو لا يكترث للرهائن.
مصر تحاول التحرك إقليميًّا لأنّ الخطر داهم. الانتقادات الإسرائيليّة ضدّ الحضور العسكري المصري في سيناء، والخطاب الرسمي المصري الذي بات يتحدّث عن “دولة الاحتـ ـلال”. وتهديدات إسرائيل بتفجير حدود غزة مع مصر. وتقارب مصري واضح مع طهران ومشاورات مستمرّة، ورعاية القاهرة لتفاهم نووي إيراني مع الوكالة الدوليّة للطاقة الذرّيّة، وتواصل بين السيسي ونظيره مسعود بزشكيان.
هذه أكثر من مجرّد مؤشّرات رمزيّة.