الخفّة التي تعاملت بها حكومة نواف سلام في موضوع حصريّة السلاح، يقال فيها الكثير.
وبخلاف خطر الكيان الإسرائيلي، يبدو أنّ الحكومة التي تبدو منعزلة عن هواجس الناس وحتّى ممّن هم من خارج الشرائح المؤيّدة للمقـ ـاومة بالكامل، تغفل أنّ العديد من اللبنانيّين، يشاهدون ويتابعون ويتوجّسون ممّا يجري في سوريا من عمليّات قتـ ـل مذهبيّة وطائفيّة وإعدامـ ـات بسلاح عناصر تابعة لدولة الجولانيين راح ضحيّتها الآلاف حتّى الآن، إلى جانب عمليّات خطف للنساء والفتيات في وضح النهار.
شهدت سوريا الكثير من القـ ـتل والألم والدم خلال السنوات الـ 14 عامًا الماضية، لكن ما تشهده منذ 8 شهور، أصاب السوريّين -واللبنانيّين طبعًا- بالذهول والصدمة والاشمئزاز، لأنّ الصفحة الجديدة التي كان البعض يراهن على أنّها فُتحت، تبيّن أنّها مجرّد صفحة دمويّة إضافيّة، وهي بعناوين طائفيّة ومذهبيّة واضحة.
ما يجري في سوريا الآن هو بمثابة “ميني عراق”. القـ ـتلة يجولون في الشوارع والمدن والمحافظات ويتباهون بعنصريّتهم وتكفيرهم ومقتهم للمكوّنات السوريّة المتعدّدة. وبمعنى أوضح، هذا تماثل مع “دويلة الد وا عش” التكفيريّة التي نشأت في العام 2014 على مساحات واسعة من أراضي العراق وسوريا.
للمفارقة، فإنّ من الدروس التي تتجاهلها الحكومة اللبنانيّة العتيدة، يتجسّد حاليًّا في الذكرى السنويّة الـ11 لمذبـ ـحة وإبادة الإيزيديّين والتي رافقتها روايات لم تنتهِ حتّى الآن حول أسر الفتيات واستعـ ـبادهنّ وبيعنّ في أسواق العبوديّة وإخضاعهنّ لعمليّات اغتـ ـصاب متسلسلة من “الأمراء” القـ ـتلة والذبّـ ـاحين.
اللبنانيّون، من مختلف المشارب والانتماءات، مدعوّون للتدقيق في هذه الذكرى، ومقارنتها بالمقتلة المذهبيّة والطائفيّة السوريّة الجارية حاليًّا.
حكومة نوّاف سلام تتجاهل هذه الحقائق من حولنا، وتكتفي على ما يبدو بالمراهنة العبثيّة على بند في الورقة الأميركيّة يتحدّث عن ترسيم الحدود مع سوريا.
الحدود لم تحمِ لا العراق ولا سوريا وقتها. والأميركيّون أنفسهم لم يتدخلوا لحماية الإيزيديّين سوى بعد أيّام من بدء المذبـ ـحة التي شرّدت 500 ألف إنسان منهم. آلاف القتـ ـلة الذي يسرحون الآن في الأرض السوريّة، هم “أشقّاء” فعليّون للدواعـ ـش، ورفاق سلاح وايديولوجيا.
من يتّسم بالعمى السياسي والأمني، ليلقي السلاح في غابة القتـ ـلة من حولنا؟