“لا ثقة”
برغم تأكيدات المصادر الأمنيّة اللبنانية أنّ التنسيق قائم ومستمر مع السلطات السورية، خصوصًا في ما يتعلّق بالأمن وسلامة الحدود، لكنّ الثقة ليست قائمة. النظام السوري ليس مؤتمنًا.
لماذا؟
تخضع سلطة الشرع/الجولاني لعمليّة “هندمة” واضحة، مرتبطة بالتزامها بشروط وضوابط طرحها الأميركي والإسرائيلي علانيّة. ولذلك، تبعاته على لبنان بالتأكيد، لكنّ الأهمّ ربّما أنّ الماضي ينبئنا بشيء حول الحاضر.
المقتلة العلوية في الساحل وغيرها، والمقتلة الدرزية في جرمانا وغيرها والمحتواة سريعًا؛ والتنكيل المتعدّد بالشيعة؛ والازدراء للأكراد والمقتلة المسيحية في الكنيسة الدمشقية، والتي “تواضع” الجولاني واكتفى بوصفها بأنّها “جـ ـريمة” وليست عملًا إرهـ ـابيًّا صريحًا. تنبئنا هذه الأحداث بأنّ بإمكان السلطة الجولانيّة الجديدة التعايش مع الاستهـ ـدافات الطائفيّة والمذهبيّة، بل ربّما تتغذّى منها، طالما أنّ الغرب يكيل المدائح الإضافيّة للحكّام الجدد.
ماذا يقول الماضي أيضًا؟
العراقيّون مثلًا يتّهمون الجولاني من خلال تنظيمه السابق، أيّ “القاعدة”، بالتورّط في تفجير سامراء العام 2006، والذي استهـ ـدف مرقد الإمامين العسكريين، بما له من رمزيّة دينية كبيرة عند المسلمين عمومًا، وعند مضيفي المرقدين من السنة في المدينة، وخصوصا أيضًا عند ملايين الشيعة حول العالم.
لكنّ هذه الجـ ـريمة شرّعت أبواب الاقتـ ـتال الطائفي والانتقامي لسنتين متتاليتين، موقّعة عشرات الآلاف من الضحايا. صحيح أنّ مهندس الجـ ـريمة أبو مصعب الزرقاوي، قتل بعدها بشهور قليلة، لكن من “رفاقه” في التنظيم كان أبو محمد الجولاني.
سوق حرّة للجماعات والفصائل
تفنن الزرقاويون والجولانيون وصحبهم وخلفاؤهم، بعمليات التجييش المذهبي في العراق، ومارسوا الكثير منها في سوريا أيضًا. لبنان لم يسلم من جـ ـرائمهم سابقًا. والخلايا المكتشفة حديثًا في بيروت وبعض أنحاء لبنان، ليست مجرّد عصابات إجراميّة. إن صحّ ارتباطهم بداعـ ـش، فذلك لا يعفيهم من امتداداتهم السورية المتشابكة والمتداخلة. داعش هو رداؤهم الجديد لا أكثر. وقد تحوّل البلد إلى ما يشبه السوق الحرّة للجماعات والفصائل والخلايا: تكفير الأقلّيّات؛ الذبح على الهويّة (راجع تقرير رويترز الأخير الموثّق)؛ انتهاك الأماكن الدينيّة؛ خطف النساء وبيعهن وابتزاز عائلاتهن، ونبش القبور؛ والسخرية من كلّ من لا يشببهم.. بما في ذلك الجولاني المهندم نفسه.
ولهذا، لا يمكن للبنانيين، أن يأمنوا جانب التطمينات حتّى لو جاءت باسم سيادة الرئيس المؤقّت للجمهورية السورية.