تتصرّف “اسرائيل”، والعديد من مؤسّسات الإعلام العالميّة، وكأنّها كيان عصري يحظى بنظم ومعايير وتحكمه أخلاقيّات.
الحـ ـرب تقول بخلاف ذلك.
بالأمس، قالت مثلًا صحيفة “هآرتس” إنّ الجيش يقرّر ترقية ضابط رغم اعترافات جنود بأنّه أصدر تعليمات بإطلاق النار على مدنيين غزيين بعد رفعهم أعلامًا بيضاء.
هذه ليست حالة استثنائيّة. أقامت “إسرائيل” عصابات، منذ أكثر من 70 سنة. ولم يتغيّر الكثير منذ ذلك الوقت، ولا تزال “عقليّة العصابة” هي السائدة.
ما إن انتهت ما يسمّيه الإسرائيليّون “حـ ـرب الاستقلال” العام 1948، حتّى أعلن أوّل رئيس وزراء للكيان ديفيد بن غوريون، قرارًا بتحويل عصابات “الهاغاناه” و”شتيرن” و”الأرغون” و”البالماخ” إلى ما يسمّى “جيش الدفاع الإسرائيلي”.
العصابات نفسها لا تزال تحكم. كلّ سلوكها في غزّة والضفّة الغربيّة ولبنان وسوريا…. يقول ذلك. عندما يقتل قنّاص طفلًا، أو يتباهى الجنود باصطياد الغزّيّين الساعين إلى مراكز توزيع الطعام، أو تلقي طائرة قنبلة وزنها طنّ على مستشفيات أو عمارات أو مبان دينيّة، لا يكون هذا جيشًا يتّسم بالأخلاق، وبالتأكيد الحكومة المسؤولة عنه، ولا البرلمان (الكنيست) الذي يناقش مثلًا قانونيّة اغتصاب الأسرى.
هذه صور عن دولة العصابة التي تحكم في الكيان، مهما تجمّلت بألوان كذبة الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط، أو شعارات مضلّلة يكرّرها نتنياهو كثيرًا، حول “الجيش الأكثر أخلاقيّة في العالم”.
فيما قبل الـ1948، حتّى هذه اللحظة الفلسطينيّة الآن، مرورًا بالنشأة الأولى، والتأسيس، وبلورة الكيان والدويلة والهيمنة، ظلّ الإرهاب هو السلاح الأمضى بالنسبة لـ”إسرائيل”. “جـ ـريمة البايجر” مثلًا في لبنان، صورة شديدة الوضوح عن استعدادها لارتكاب قـ ـتل جماعي، بعيدًا عن خطوط القتال، ما يمثل انتهاكًا لقوانين الحـ ـرب.
بن غوريون نفسه، رجل “دولتهم” الأوّل، كان منغمسًا كالعصابات الصهـ ـيونيّة المؤسّسة للكيان، في حملات الجـ ـرائم و”التطهير” والتهجير، متأثّرًا بأفكار زئيف جابوتينسكي، الذي كان أوّل من دعا إلى فكرة “عسكرة” الصهاينة فيما بعد نهاية الحـ ـرب العالميّة الأولى، تمهيدًا لإقامة الكيان المنشود.
كلّ ما جرى منذ 7 اكتوبر، تشرين الأوّل 2023، يقول إنّ “عقليّة العصابة”، كـ”عصابة نتنياهو” الآن، لن تجلب سلًاما للكيان، مهما طال، وستظلّ الأرض تلفظه.