قبل أيّام، أعلنت “شرطة إسرائيل” وجهاز “الشاباك”، عن اعتقال إسرائيليَّين اثنين نفّذا مهام جمع معلومات استخباراتيّة ونقل متفـ ـجّرات لصالح الإيرانيّين في بلدة كفار أحيم (في الشمال) التي يسكن فيها وزير الدفاع “يسرائيل كاتس”، وأشارتا إلى أنّه “منذ بداية الحـ ـرب (في غزّة)، تمّ إحباط 20 عمليّة تجسّس لصالح إيران شملت إسرائيليّين” وجرى الإعلان عن الاعتقالات تباعًا.
هذا في “اسرائيل”، حيث يسود شبه تكتّم عام حول تفاصيل هذه القضايا، ليس فقط استنادًا إلى قوانين “الرقابة العسكريّة”، وإنّما لأنّ أجهزتها الأمنيّة عمومًا، تلتزم بحجب المعلومات عن العامّة، فيما لا يتجرّأ أقارب ومعارف المعتقلين على نشر معطيات ووقائع وأسرار عائليّة واجتماعيّة حول الموقوفين.
وهناك أيضًا عمليّات قتاليّة لا يكشف النقاب عن تفاصيلها إلّا لمامًا، خصوصًا فيما يتعلّق بالخسائر وطبيعة الإصابات التي تعرّض لها أفراد وحدات الجيش أو مواقعهم العسكريّة.
لكن هذا في “اسرائيل”.
أمّا “عندنا”، فحدّث ولا حرج.
المعلومات والتفاصيل والمعطيات التي ننشرها حول كلّ “مقـ ـاوم” أو “قيادي” بما في ذلك تفاصيل دقيقة حول حياته الشخصيّة و”المقـ ـاومة” وعلاقاته الاجتماعيّة والعائليّة، وتاريخ مسيرته وممّن كان مقرّبًا، وما هي العمليّات التي شارك فيها، وماذا كان يفعل خلال “حـ ـرب الإسناد” وبعدها، وحتّى في لحظة “ارتقائه” جسديًّا، فإنّها لا تعدّ ولا تحصى.
المعلومات التي توفّر بالمجان للعـ ـدوّ، أكثر من مجرّد كنز أمني.
وقد يقول قائل إنّ العـ ـدوّ لا يحتاج إلى معلوماتنا على وسائل التواصل الاجتماعي ليختار أهدافه وهجماته بالنظر إلى ما أظهرته الحـ ـرب من تفوّق تواطؤ شركات التكنولوجيا الحديثة معه.
هذا هراء. كلّ معلومة تساهم في تغذية بنك أهدافه ودقّتها ودقة اختيار “الضحايا” لاحقًا.
لطالما خاضت المقـ ـاومة بفصائلها العديدة، منذ أكثر من 50 سنة، حـ ـروبًا أمنيّة واستخباراتيّة مع العـ ـدوّ وعمليّات اغتـ ـيال لجواسيس وعملاء موساد، ليس فقط في فلسطين أو لبنان، وإنّما في عواصم الغرب والعرب القريب منها والبعيد. وهناك نجاحات وإخفاقات عديدة. لكنّ ظاهرة كشف المعلومات المجّانية بهذا السخاء، لم يعهدها العرب في كلّ تاريخ الصراع مع العـ ـدوّ.
فلنتعظ. وقديمًا قالوا : الكلام كالدواء؛ إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل.