تاريخ الكوميديا اللبنانية.. من كوميديا الشعب إلى تجاوز الآداب العامّة

شكّلت الكوميديا اللبنانية جزءًا أساسيًّا من التراث الثقافيّ اللبنانيّ، حيث بدأت كنمط فنّيّ ينقل أوجاع الناس وهمومهم بطريقة بسيطة ومباشرة. ومع تطوّر الزمن، شهدت الكوميديا اللبنانيّة تغيّرات جذريّة في أساليبها ومضامينها، من المسرح الشعبيّ إلى الكوميديا التلفزيونيّة، وصولًا إلى الكوميديا الحديثة التي شوّهت الفن وباتت تعتمد على الاستهزاء والإيحاءات الجنسيّة.
في بدايات القرن العشرين، كان المسرح الكوميديّ اللبنانيّ يعبّر عن مطالب الشعب وينقل همومه بطريقة ساخرة. برزت في هذه الفترة أسماء لامعة، أمثال حسن علاء الدين (شوشو) الذي كرّس مسرحيّاته لانتقاد الأوضاع الاجتماعيّة والسياسيّة، وشهد المسرح الكوميديّ السياسي نهضة بارزة في لبنان حينها. أسماء كسرت المحظورات وتجرّأت على قول ما لم يجرؤ أحد عليه كنبيه أبو الحسن (أخوت شاناي)، دون أن ننسى تجارب أخرى كمسرح الساعة العاشرة الذي أدخل مسرح الشونسونييه الفرنسيّ إلى لبنان.
وكما في المسرح كذلك على الشاشة، إذ فتح تلفزيون لبنان والمشرق المجال لنقل الكوميديا إلى بيوت الناس، وكانت كوميديا اجتماعيّة توعويّة هدفها بناء القيم في المجتمع كأعمال أبو ملحم رغم بساطتها، وإنتاجات الرائد والكاتب محمد شامل وأعمال القدير صلاح تيزاني (أبو سليم) الذي أغنى المكتبة الفنيّة بأعمال فرقته وأشاع اللهجة الطرابلسيّة في أنحاء الوطن.
وحين نتكلّم عن الكوميديا لا يمكن إهمال صاحب النقلة النوعيّة في الأعمال المسرحيّة التي كانت تنقل الحرب الأهليّة إلى النصوص الفنيّة كي يستنبط المشاهد الحاضر والماضي والمستقبل، فكانت أعمال زياد الرحباني تأريخًا حقيقيًّا لما يجري.
أمّا في العصر الحالي، فقد شهدت الكوميديا اللبنانية تحوّلًا كبيرًا، حيث أصبح العديد من الفنانين يعتمدون على الستاند آب كوميدي والإيحاءات الجنسيّة والسخرية من الدين وترويج العنصريّة كوسيلة لإثارة الضحك.
هذا التوجّه الجديد أثار جدلًا واسعًا في المجتمع، حيث يرى البعض أنّه يتجاوز حدود الأدب والأخلاق، بينما يعتبره آخرون تعبيرًا عن حرية التعبير والفنّ.
يحاول اليوم المخرج والكاتب يحيى جابر والفنان جورج خباز وآخرون تصويب البوصلة إلى المضمون الدسم والأداء الراقي.
تاريخ الكوميديا اللبنانية يعكس تطوّر المجتمع اللبناني وتحوّلاته الثقافيّة والسياسية. من المسرح الشعبيّ الذي كان يعبّر عن هموم الشعب وينقل مطالبه، إلى الكوميديا التلفزيونيّة الهادفة التي تناولت قضايا اجتماعيّة وسياسية، وصولًا إلى الكوميديا الحديثة التي تعتمد على أساليب جديدة تثير الجدل.
لكن تبقى الكوميديا اللبنانية جزءًا أساسيًا من التراث الثقافي اللبناني، تعكس روح الشعب وتفاعله مع الأوضاع المحيطة به.

أخر المقالات

اقرأ المزيد

Scroll to Top

daily news right into your inbox