انشغلت غالبية دول العالم بمعايير الازدهار والنجاحات الاقتصادية والصناعية والعسكرية، ولم تكترث بالقدر نفسه لأهميّة ناسها. وبدأت تدرك فجأة واقعًا مريرًا لهذا “التقدّم والتطور”: التحوّل إلى مجتمعات هرمة، ثمّ لتعود بذلك لتخاطر بتدهور المقاييس السابقة لنجاحاتها.
رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، دعا في خطاب مؤّخرًا إلى إنشاء وزارة جديدة تهدف إلى تشجيع الولادات في هذه الدولة الآسيويّة التي تعاني من انخفاض حاد في معدّل الخصوبة. وجاءت دعوته في ظل تراجع حادّ في عدد الأطفال حديثي الولادة في العام الماضي إلى أدنى مستوى له منذ عقود، حيث بلغ عدد الولادات 230 ألفًا فقط في العام 2023، مقارنة بـ 305 آلاف في العام 2022، وهو أدنى مستوى يسجَّل منذ العام 1970.
وجاء هذا التدهور برغم إعلان الحكومة الكورية إنفاق مليارات الدولارات سنويًّا لتشجيع الولادات، وانخفض معدّل الخصوبة إلى 0.72 طفل لكلّ امرأة، وهو أقلّ من المعدّل اللازم للحفاظ على عدد السكان عند مستواه الحالي. وفي حال استمرّ هذا التراجع، من المتوقّع أن ينخفض عدد سكّان كوريا الجنوبية إلى النصف تقريبًا بحلول العام 2100، وفقًا لتقديرات الخبراء.
كوريا الجنوبيّة ليست وحدها. هناك دول أوروبيّة وآسيويّة، تبذل جهودًا متزايدة لرفع معدّل الولادات بسبب التحدّيات الديموغرافيّة. فروسيا، مثلاً، فقدت حوالي 600 ألف نسمة خلال العام 2022 وأكثر من مليون خلال جائحة كورونا، وتشير التوقّعات إلى احتمال انخفاض عدد السكان بمقدار 8 ملايين بحلول العام 2035.
كما تواجه اليابان تحدّيًا مماثلًا، حيث إنّ 30% من سكّانها فوق سن الـ65، وشهدت في العام 2022 انخفاض عدد المواليد إلى أقلّ من 800 ألف، وهو المستوى الأدنى منذ بدء تسجيل هذه الإحصاءات في العام 1899.
وبحسب الخبراء، فإنّ الأسباب وراء هذا التراجع معقّدة ومتعدّدة، تشمل عوامل اقتصادية كارتفاع تكاليف المعيشة وتربية الأطفال، ودخول المرأة بأعداد متزايدة في أسواق العمل والانتاج، واجتماعيّة كتغيّر الأولويّات نحو التعليم والتركيز على العمل، كذلك تغيّر القيَم الثقافية حيث أصبح العيش بدون أطفال أكثر قبولًا، وذلك بالإضافة الى النقص في دعم الدولة للأسر الشابّة وغياب سياسات التوفيق بين العمل والأسرة. وهناك أيضًا دراسات علميّة تشير الى أنّ الأنظمة الغذائيّة السريعة التي صارت سائدة حول العالم، تساهم أيضًا في تدهور معدّلات الخصوبة بين الرجال والنساء على السواء.