شجعان تحت النار

في العام 1999، فجع العالم عندما شنّ الأميركيون غارة جوية على مبنى تلفزيون صربيا. كان للإعلام حرمته بدرجة ما، ودماء الصحافيين كانت شبه مقدّسة. الحرب على غزّة، أظهرت كم تغيّر ذلك الآن، وأنّ التباكي على مهنة الصحافة وأفرادها، لم يكن أكثر من دموع تماسيح.
منذ تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، وحتى الآن، يرتكب الاحتلال الإسرائيلي جرائم قتل شبه يومية ضدّ الصحافيين الفلسطينيين خلال تغطيتهم للحرب على غزّة، وهي طالت أكثر من 130 صحافيًا. بالكاد أشارت عاصمة غربية – أو عربية – لمصيرهم وموتهم. بعضهم استُهدف هو وعائلته في منازلهم. بعضهم وهم يحملون أقلامهم وكاميراتهم. الجرائم كانت مع سبق الإصرار والترصّد.
ووفقًا لمركز المعلومات الفلسطيني “وفا”، قتلت إسرائيل 132 صحافيًا منذ بداية الحرب. وقد شمل الاستهداف عمليات مختلفة مثل مهاجمتهم أثناء تغطية أحداث، وقصف سيّاراتهم، وعمليات قنص، وغارات جوية على منازلهم، ممّا تسبب في أحيان كثيرة باستشهادهم مع أفراد من عائلاتهم.
كما لم تقتصر استهدافات الاحتلال الإسرائيلي على الصحافيين في غزّة، فبحسب نقابة الصحافيين الفلسطينيين، امتدت أيضًا إلى الضفةّ الغربية، حيث اعتقلت سلطات الاحتلال نحو 58 صحافيًا منذ تشرين الأوّل/أكتوبر حتى شهر كانون الأوّل/ديسمبر الماضي. كما جرى تسجيل اقتحام منازل، وتحطيم أثاث، ومصادرة معدّات الاتصال الخلوي، بالإضافة إلى اعتداءات المستوطنين بحماية الجيش. وتعرّضت 80 مؤسّسة إعلامية للاستهداف، وكذلك اقتحامات ومصادرة المعدات في الضفّة. كما تعرّضت الطواقم الصحافية للاحتجاز والتهديد، وتم توثيق 314 واقعة في هذا الصدد.
وبرغم هذه الجرائم والاعتداءات، فإنّ غالبية الصحافيين استمرّوا بشجاعة وإصرار بعملهم من أجل نقل الحقيقة إلى العالم. أمّا الاحتلال الساعي الى دفن الحقيقة وإخفاء جرائمه، فإنّه كان يتلطّى خلف فكرة أنّه لا يستهدف الإعلام، تمامًا كادعائه بأنّ لا يقتل المدنيين عمدًا برغم أنّ عدد الضحايا وصل حتى الآن الى أكثر من 30 ألف شخص.

أخر المقالات

اقرأ المزيد

Scroll to Top