توم برّاك ونظريّة “العصافير تزقزق”

من البديهي استخلاص أنّ خطوة إسرائيليّة كان يفترض أن تتمّ ما أن تبنّت حكومة نوّاف سلام، قرار “حصر السلاح”. لكنّ ذلك لم يحصل، وعلى اللبنانيّين، برغم أنّ حكومتهم، على أقلّ تقدير، أظهرت الرغبة في معالجة الملفّ، أن يجلسوا في مقاعد الانتظار، لترى إسرائيل وتقرّر ماذا يليق بها، وبهم لتقدّمهم كـ”تنازل” من طرفها.

هذه من مفارقات مهمّة المبعوث الأميركي توم برّاك، ذلك أنّه يبدو واضحًا إزاء ما هو المطلوب من حكومة سلام واللبنانيّين و”الحزب” والشيعة (كما ألمح بالأمس)، لكنّه في الوقت نفسه، لا يطرح أدنى فكرة عمّا يفترض بالكيان الإسرائيلي أن يقوم به الآن، برغم أنّ المطالب والبنود والتوقّعات اللبنانيّة بديهيّة: الانسحاب من النقاط الـ5؛ الإفراج عن الأسرى؛ وقف الانتهاكات اليوميّة والاعتـ ـداء على لبنان.

هذا تناقض فاقع في مهمّة “الوساطة” الأميركيّة، والأخطر في رؤية الدولة في لبنان، إزاء ما يجري، ذلك أنّه يتمّ التعامل مع القضيّة وكأنّها محصورة في ما بين لبنان وإسرائيل، وتقتصر عليهما، بينما هي ليست كذلك.

“الوسيط” الأميركي المتقبّل مبدئيًّا لفكرة محاصرة السويداء منذ أكثر من شهر؛ والمراهن على أداء السلطة الإجـ ـراميّة المتفلّتة في سوريا؛ والمتبنّي لفكرة أنّ “المجاعة” في غزّة تتحمّل مسؤوليّتها “حمـ ـاس”، وليس إسرائيل؛ كيف بإمكانه أن يكون مفاوضًا نزيهًا ومحايدًا وحريصًا على لبنان؟!

هذه هي معضلة المفهوم السائد في التعامل مع المشهد العام. لكنّ الأخطر، أنّ قضيّة “حصر السلاح”، تجري مقاربتها دون الأخذ بالاعتبار أيضًا أنّ الكيان الإسرائيلي لم يوقف حـ ـروبه، وأنّ هجومه الغادر على إيران في حزيران/يونيو الماضي جاء بينما كان الإيرانيّون يجلسون لاستكمال التفاوض.

قبل يومين، قال مستشار المرشد الإيراني يحيى صفوي، أنّ التهدئة مع إسرائيل يمكن أن تنهار في أيّ لحظة والحـ ـرب يمكن أن تستأنف.

ربما يقول لبنانيّون إنّنا لسنا معنيّين بهواجس إيران ومخاوفها، لكنّنا بالتأكيد بحاجة إلى التدقيق في سلوك إسرائيل على مستوى المنطقة كلّها. لبنان ليس جزيرة معزولة.

إسرائيل “تتسلّى” بقـ ـتل اللبنانيّين يوميًّا، وتهدّد علانية بنيّتها اغتـ ـيال مرشد الجمهوريّة السيد علي خامنئي. لكنّ هناك سذاجة في بيروت، وخبث لدى “الوسيط” الأميركي، بما يكفي لمحاولة إقناع اللبنانيّين أنّ الأمور مستتبّة تمامًا، وأنّ الشمس مشرقة والعصافير تزقزق.

هذا هراء.

أخر المقالات

اقرأ المزيد

Scroll to Top