امبراطورية تحارب الممانعة

هناك ظاهرة لافتة بدأت تبرز في بعض الأوساط الأميركيّة. من نوّاب، وسياسيّين، وإعلام، وكتّاب، ومراكز أبحاث ودراسات، يركّزون على فكرتين مثيرتين للقلق.

أساس الفكرتين هو أنّ الأميركيّين يجب أن يتحرّروا من “عقدة العراق”؛ وثانيًا أنّ فشل تجربة “تغيير النظام” سواء في بغداد أو كابول أو صنعاء أو طرابلس وكلفتها العالية في دمشق، يجب ألّا تعني أنّها لا يمكن أن تنجح بسهولة في أماكن أخرى، ولا تعني أنّ أيّ عمل عسكري جديد يفتقر للمشروعيّة الأخلاقيّة.

خطورة هذه الطروحات المروّج لها، أنّ هدفها المركزي إخراج الأميركيّين من ممانعتهم وحذرهم بسبب الأكلاف التي تكبّدوها، في معيشتهم واقتصادهم، خصوصًا خلال العقدين الماضيين منذ غزو أفغانستان الذي انتهى بإعادة تسليم السلطة لحركة طالبان، ومع ارتفاع الصوت ضدّ التورّط في الحـ ـروب، واستطلاعات الرأي التي تظهر منذ أعوام ميلًا أميركيًّا عامًّا نحو النأي بالنفس عن الخارج وافتعال الحـ ـروب الخارجيّة.

الهدف إخراج الأميركيّين من حالة الإحباط هذه، وهو يعكس رغبة من “حزب الحـ ـرب” الممثّل للإمبراطورية والمتغلغل في كلّ قطاعات الدولة وأجهزتها، للإبقاء على خيار الحـ ـروب قائمًا، متى استدعت “مصالح” مجمع الصناعات العسكريّة والشركات الكبرى والذيول من السياسيّين متبادلي المنفعة معهم.

صحيح أنّ الأميركيّين عمومًا لم يتخلّصوا من عقدة الحـ ـرب الفيتناميّة حتّى الآن، برغم أنّه تمّت أدلجتها هوليووديًّا لتحويلها إلى مجموعة من قصص “أبطال” وتشويه الذاكرة الجمعيّة بقدر المستطاع وإبعاد خطيئة الغزو والاحتـ ـلال عن صنّاع القرار، إلّا أنّ الخطورة هي في الترويج لمقولات مثل أنّ القتال لا يعني بالضرورة أنّنا سنسقط في مستنقع فيتنامي أو عراقي جديد، ولن يكون هناك فوضى بالضرورة، ولن نغرق في “حـ ـرب لانهائيّة” جديدة.. ولذا لا خوف.

يقال هذا الكلام في ما قبل وما بعد قرار الرئيس الأميركي ترامب، الانخراط الموجز والسريع في الحـ ـرب الإسرائيليّة على إيران، برغم أنّه كان يدرك أنّ لا شعبيّة للحـ ـرب، ولهذا فهو سوّق لفعلته بأنّها لم تكن حربًا فعليّة وتباهى بأنّ جنديًّا أميركيًّا لم يقـ ـتل فيها.

هذا من بين أخطر رسائل الضربة الأميركيّة لإيران.. وهي كثيرة.

أخر المقالات

اقرأ المزيد

Scroll to Top