قنّاصون للتسلية بين سراييفو وغزّة

أثرياء مولعون بالقتل. ما من شيء جديد. هذه هي سيرة البشريّة برغم الاستثناءات طبعًا. في روما القديمة، كانت امبراطورية الهيمنة وقتها، تنظّم مصارعات المحاربين “الغلادياتورز”، وتفرضها على العبيد والأسرى، لإمتاع جنرالاتها وناسها وتعزيز غريزة التعطّش للدم.

سطوة اجتماع الثروة والسلطة، مكرّرة عبر التاريخ. صحافي إيطالي يدعى ايزيو غافازيني رفع شكوى قانونيّة ضدّ إيطاليّين سافروا الى سراييفو، عاصمة البوسنة، عندما كانت تحت حصار القوّات الصربيّة خلال تسعينيّات القرن الماضي، في إطار “سياحة القناصة”، حيث دفعوا أموالًا مقابل مشاركتهم في عمليّات قنص بغرض التسلية ضدّ المدنيّين في المدينة المحاصرة بين عامي 1992 و1995، بالإضافة إلى مدن بوسنيّة أخرى مثل موستار وسربرنيتسا وبالي.

التحقيق فُتح في ميلانو ضدّ إيطاليّين، لكن يتبيّن تباعًا أنّ مئات الأثرياء البارزين وأصحاب الشركات والمحترفين من هواة السلاح والصيد، من حول العالم وخصوصًا من الغرب، وتحديدًا من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتّحدة، شاركوا في “سياحة القناصة” هذه. وكان “السيّاح” الدمويّون يأتون إلى مدينة تريستي في شمال إيطاليا، ومنها يتمّ نقلهم إلى التلال المحيطة بسراييفو، وكان كلّ واحد منهم يدفع نحو 100 ألف يورو للمشاركة في القنص، وإذا كان المستهدف طفلًا، فالمبلغ سيكون أكبر.

الأمر أكثر بشاعة من ظاهرة الـ”غلادياتورز” في روما، ويمثّل انحطاطًا أخلاقيًّا أكبر بعدما تطوّرت مفاهيم حقوق الإنسان المروّج لها غربيًّا. وهي بطبيعة الحال، أكثر دناءة من “رحلات السفاري” في غابات أفريقيا لقنص الحيوانات ومطاردتها.

التحقيقات تتوسّع، وبالإضافة إلى التحقيقات الجارية حول هذا الملفّ في البوسنة نفسها منذ العام 2022، هناك تحرّك الآن أيضًا في الولايات المتّحدة. والقضيّة آخذة بالتبلور باعتبارها من “جـ ـرائم الحـ ـرب” بحسب القانون الدولي. وبحسب الأرقام المتداولة، فإنّ ما بين 5 و15 شخصًا كانوا ضحايا القنّاصة يوميًّا، سواء قتلوا أو جرحوا، وأنّ 10% من إجمالي عدد الأطفال القتلى قضوا برصاص القنّاصة في سراييفو.

المفجع أنّ القضية أُثيرت للمرة الأولى من خلال فيلم وثائقي لمخرج سلوفيني تحت عنوان “سفاري سراييفو” عرض في العام 2022.

لكنّ قلّة كانت تبالي. ألم يتسلّى جنود الكيان الإسرائيلي بقنص الفلسطينيّين طوال سنوات، وخصوصًا في الحـ ـرب على غزّة؟ ألم يشارك قنّاصة “أجانب” من المتعاقدين خلال توزيع الإغاثة على الفلسطينيّين، واستدرجوهم إلى “مصائد القتل” لقنصهم؟

أخر المقالات

اقرأ المزيد

Scroll to Top