“إنّ حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل أقصى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جليًّا أنّه لن يُؤتى بأيّ عمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنيّة والدينيّة التي تتمتّع بها الطوائف غير اليهوديّة المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتّع به اليهود في أيّ بلد آخر”.
108 أعوام على ذكرى “وعد بلفور” في الرسالة المؤرخّة في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917، من وزير الخارجيّة البريطاني اللورد آرثر جيمس بلفور إلى رئيس الجالية اليهوديّة في بريطانيا اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، بعد موافقة مجلس الوزراء البريطاني عليها.
هكذا بدأت كلّ الحكاية.. لم يكن “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، ولا “حـ ـرب الإسناد”، ولا “الوعد الصادق”، ولا حـ ـرب الـ1967، ولا اجتياح بيروت العام 1982، ولا “حرب النكبة” في 1948. كان قبل ذلك بكثير، من خلال هذه الخطوة الاستعماريّة التي تعاملت مع شعوب المنطقة كما لو أنّها سلع، اغتنمتها وتقاسمتها مع من تشاء.
لم يكن وعدًا لفظيًّا فحسب. كانت خديعة مكتملة الأوصاف، إذ منح الغرب وعدًا آخر، وتحديدًا لشريف مكة الشريف حسين، من جانب المندوب البريطاني السامي هنري مكماهون، بدعم الاستقلال العربي بعد انتهاء الحـ ـرب العالميّة الأولى في حال ثاروا ضدّ العثمانيّين.
ولكي تكتمل الخديعة، دخلت القوّات البريطانيّة فلسطين لتحتلّ القدس سريعًا في كانون الأوّل/ديسمبر 1917، وتفرض حكمها العسكري عليها لتهيئة الأرضيّة لتنفيذ “وعد بلفور”. ولم تكن صدفة أنّ أوّل مرسوم هجرة يهوديّة جاء بعدها بوقت قصير: في آب/أغسطس 1920، لتشرّع الأبواب أمام اليهود.
ظلّت بريطانيا “وفيّة” لـ”وعدها” لليهود. هي من أبرز الدول التي وفّرت الدعم والمساندة والتأييد لحـ ـرب الإبـ ـادة في غزّة. عندما أعلن رئيس وزراء هذه الدولة الاعتراف بـ”دولة فلسطين” لأنّ “اللحظة قد حانت”، كان الاعتراف متلعثمًا: لا يمكن أن يكون لحمـ ـاس مستقبل، ولا دور في الحكومة، ولا دور في الأمن”، قال كير ستارمر.









